الخميس، 31 مايو 2018

قصر الملك عبدالعزيز بمحافظة مرات بقلم عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي


قصر الملك عبدالعزيز بمرات
بقلم
عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي

تقع مرات غرب العاصمة الرياض على بعد 150 كيلو متراً تقريباً على طريق الحجاز القديم - طريق الملك عبدالعزيز من الرياض إلى مكة المكرمة سابقاً - وهي إحدى محطات الملك عبدالعزيز التي كان يتوقف فيها ويقيم بها عدة أيام لاستقبال الأهالي والمسلّمين عليه من أمراء القرى والهجر ومشايخ البادية في منطقة الوشم وسدير والشعيب في ذلك الوقت وخلال فترة بقاء الملك في مرات، وتتزود سيارات الأمراء ومن في معيته بالبنزين من المحطة الخاصة لجلالته التي كانت في البداية عبارة عن مجموعة من البراميل المملؤة بالبنزين والزيت والكيروسين, وفي الأربعينيات الهجرية من القرن الماضي أمر جلالة الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه بإنشاء محطة نموذجية خاصة لجلالته والسيارات الحكومية العابرة مع هذا الطريق، وعهد بالأمر إلى رجل الأعمال محمد بن لادن الذي بدوره أحضر العمال، وتعاقد مع أحد الأهالي من مرات بتأمين عشرة آلاف حصاة تم إحضارها من أعلى جبل كميت القريب من أعمال المحطة، وتم إنشاء مبنى المحطة مع بناء ثلاث غرف لسكن الموظفين ومكاتبهم، وبناء سور يحيط بالمحطة والغرف بطول 50 متراً من كل جهة، وعمل بوابتان من الشرق والغرب لدخول وخروج السيارات من المحطة.. ويَذكر الرواة أن هذه البوابات تغلق ليلاً وتفتح في الصباح, ويصرف البنزين لأصحاب السيارات بواقع أوامر حكومية.

وفي أواخر عام 1350هـ أمر جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الشيخ عبدالرحمن السبيعي وكيل بيت المال بالوشم آنذاك بالإشراف على بناء قصر الملك عبدالعزيز (قصر مرات)، وهو أحد القصور الكبيرة التي أمر - طيّب الله ثراه - بإقامتها على مسار الطريق بين الرياض والحجاز (بمرات, والدوادمي, والمويه)، فشرع في بنائه ليضم بداخله محطة البنزين- المذكورة آنفاً - وسورها، وجلب أمهر البنائيين في المنطقة والذين يسمون في ذلك الوقت (الاستودية) ويجيدون البناء باللبن والطين ويتميزون بالدقة والإتقان وسرعة الإنجاز. فسمك جدار السور قرابة المتر ونصف المتر (خمس لبنات: ثلاث لبنات بالطول، واثنتان بالعرض)، إلى أن بلغ ارتفاع السور ثلاثة أمتار، بعدها أكمل بسمك لبنة واحدة.. وهو مربع الشكل بطول 150 متراً من كل جهة، وبه أربع مقصورات موزعة على أركانه الأربعة، وهي مقصورات بارزة عن بناء الجدار، ولها شكل هندسي محكم، ويبلغ ارتفاع كل مقصورة نحو خمسة عشر متراً، وهي مكونة من طابقين، وبالطابق العلوي نوافذ صغيرة للمراقبة من خارج القصر.. ويبلغ ارتفاع جدار السور نحو سبعة أمتار تقريباً، وبني بداخله مسجد وصالة استقبال وبئر ومبان للدوائر الحكومية، واستغرق بناؤه سنتان، وفور الانتهاء من بنائه انتقلت إليه محطة اللاسلكي الموجودة بمرات منذ عام 1345هـ، وكانت آن ذاك خاصة بالمخابرات الحكومية(1)، وتعد هذه المحطة من أقدم المحطات اللاسلكية في المملكة. كما استقرت بالقصر دائرة الشرطة التي كانت تزاول في ذلك الوقت نشاطاً كبيراً لأهمية هذا الموقع الاستراتيجي للسيارات الذاهبة والقادمة من الرياض والحجاز، ويضم القصر كذلك دائرة السجن ومركز البريد ومحطة البنزين الخاصة بالسيارات الملكية والحكومية العابرة مع هذا الطريق التي قد أسست قبل بناء القصر. وكان لهذا التجمع من الدوائر الحكومية داخل القصر دور في تدبير أمور المنطقة والأهالي، فكان يعج بالموظفين والمراجعين والسيارات، خاصة عند إقامة الملك في مرات واستقبال الضيوف والوفود المسلّمة على جلالته، وبالإضافة إلى ذلك كانت إحدى مقصورات القصر مخصصة كبيت للضيافة لكبار الشخصيات ومندوبي الدول. ومع الأسف المرّ، في التسعينيات الهجرية من القرن الماضي، وبالتحديد خلال سنوات الطفرة التي شملت أرجاء المملكة، تم هدم هذا القصر بما فيه من مبان قديمة وبني على أنقاضه مركز حديث لشرطة مرات، وانتقلت جميع الدوائر الحكومية الموجودة بداخله آنذاك إلى مقار جديدة بين مخططات مرات الحديثة!! والحقيقة إنه لم يهن على أهالي مرات إزالة هذا الصرح العظيم الذي طالما ألفوه شامخاً أمامهم، يصارع الزمن ويكتب التاريخ ويحكي قصة البطل، ثم يختفي فجأة فتبتلعه الطفرة في غفلة عزاؤها (سبق السيف العذل).. وما زال أهالي مرات، والمهتمون بالتراث عموماً، يشعرون بمزيد من الأسى والأسف على إزالة هذا القصر الأثري الكبير والمهم في مرات الذي ارتبط بمؤسس المملكة العظيم جلالة الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه, فقد كان الأولى أن يبقى أثراً حميداً وشاهداً على حكمة مؤسس هذا الكيان وأعماله الريادية في بناء المملكة واستكمال تجهيزات دوائرها الرسمية.

والأمل كبير في أن تبادر جهات الاختصاص في حكومتنا الرشيدة، وبخاصة دارة الملك عبدالعزيز، في إعادة بناء هذا القصر الأثري المهم في موقع قريب من مكانه الأول، ليظل شاهداً حياً على إنجازات الملك عبدالعزيز رحمه الله، ورحم السابقين من أبنائه الملوك البررة، وجعل التوفيق حليف إخوانهم الأماجد وأدام الله عزهم وتأييدهم.

الهامش:

(1) وفي أوائل عام 1361هـ أصدرت إدارة البرق والبريد العامة قراراً بتأسيس مركز لاسلكي، وبريد مرات، ويتم قبول البرقيات اللاسلكية والمراسلات البريدية من كافة المواطنين.

للتواصل: ص. ب 58 - مرات 11933
فاكس: 016231805

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق