السبت، 21 مارس 2009

من ملاحظات أمير المؤرخين

من ملاحظات أمير المؤرخين
الأمير سلمان وكتاب (النجديون وعلاقتهم بالبحر) وسنة الطبعة


عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي
في مساء يوم الأحد الثاني من ذي الحجة لعام 1429ه سعدت كثيراً وتشرفت باتصال كريم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض حفظه الله ورعاه ، فحواه الإشادة بكتابي النجديون وعلاقتهم بالبحر وكعادته بلطفه ولباقته المعهودة أبدى ملاحظاته القيمة حول ما أسميته ب (سنة الطبعة) وأن هذا الاسم سابق لما أشرت إليه حيث ذكرت أن (سنة الطبعة) تخص تلك الطبعة المشهورة التي جرت أحداثها في البحر عام 1344ه نتيجة رياح شديدة عاصفة ثار على إثرها البحر وهاج وكانت سفن الغوص عاملة على المغاصات فتلاطمت مع بعضها وهلك بعض من عليها وضاعت ممتلكات كثيرة (1).
وقال سموه إن حادثة هذا الغرق لا تسمى ب (سنة الطبعة) فسنة الطبعة معروفة ومشهورة وتاريخية، وقعت أحداثها عام 1277 ه إبان الدولة السعودية الثانية، ومن جراء حديثي مع سموه وجدت أنني أمام علم ثقافي، واسع الاطلاع، وحجة في تاريخ المملكة العربية السعودية، استمعت واستفدت كثيرا من خبراته العلمية الواسعة التى أثرى بها هذا الموضوع فكان تناول سموه للموضوع شيقا وحديثه لا يمل.
وأردف حديثه حفظه الله في تبيان ما فاتني ذكره في هذا الموضوع بالإشارة إلى بعض المراجع التي قد تفيدني في ذلك، وبعدها لم أتوان في البحث فيما ذكر سموه من المراجع إضافة إلى ما أمدتني به دارة الملك عبدالعزيز مشكورة وهي نبذة مختصرة عن معركة الطبعة التي حدثت سنة 1277ه والشكر موصول لسعادة الدكتور ناصر الجهيمي نائب الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز وفقه الله الذي أبدى دعمه وتعاونه.
وحول (سنة الطبعة) التي حدثت عام 1277ه، فقد تحدثت عنها مصادر عديدة، وبالرغم من أن هناك أحداث غرق ذكرها بعض المؤرخين في مصنفاتهم وأسموها ب (سنة الطبعة)، إلا أنه وكما يذكر مقبل الذكير (2) بأنه ليس هناك ما يسمى بسنة الطبعة إلا حادثة واحدة هي الحادثة التي وقعت عام 1277ه، وقد كتب محمد العبدالقادر في كتابه تحفة المستفيد تفاصيل جيدة وكذلك يحيى الربيعان في كتابه (راكان بن حثلين)، وعبدالعزيز الرشيد في كتابه تاريخ الكويت، وابراهيم بن عيسى في كتابه عقد الدرر، وغيرهم من المؤرخين، وموجز أحداثها أنه في سنة 1277ه حدثت وقعة في الجهراء القرية المعروفة في الكويت القريبة من البحر بين قبائل متحالفة وقوات الإمام فيصل بن تركي الذي أرسل بدوره ابنه عبدالله ومعه القبائل من نجد فحاصروهم في موقع خطير قريب من البحر في منطقة الجهراء فتراجعت قواتهم تجاه البحر فنشبت أرجل جيادهم في الرمل والطين وغرق بعضها فسميت بوقعة الطبعة (سنة الطبعة)، وهي الوقعة التي قال خلالها الشيخ راكان بن حثلين عندما أدرك أن القوات التي أرسلها الإمام فيصل أمامه والبحر خلفه الأبيات التالية :
يا قومنا ما من صديق
والله لأبوج لها الطريق
جمعين والثالث بحر
لعيون براق النحر
فاخترق راكان الصفوف حتى نجا هو ومن تبعه وكان ذلك في الخامس عشر من شعبان عام 1277ه..
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الأحداث والوقائع الهامة التي استخدمت لتحديد التواريخ عند العامة حيث كان الناس في الماضي يربطون حساب تواريخهم بالأحداث الجسيمة التي تزامنت معها حدوث هذا الشيء كالميلاد أو الموت أو الزواج أو غير ذلك، لان العامة يعرفون متى وقع هذا الحدث ومعروف باسم معين ولا يمكن أن يكرر أو يختلط مع غيره حتى لو حدث بعده مثيل له أو أعظم منه، فالاسم ثابت ومقرون بالسنة (التاريخ) كقولهم ولد فلان سنة (ساحوت) وسنة ساحوت معروفة عند الناس وهي سنة الفقر المدقع الذي عم معظم بلدان نجد عام 1327ه، أو فلان مات بعد سنة (جبار) بعام وسنة جبار معروفة أيضا لدى الناس وهي سنة الربيع الذي عم جميع المناطق عام 1360ه، أو كقولهم فلان تزوج قبل سنة (الجدري) وسنة الجدري حدثت عام 1358ه وهلك فيها خلق كثير، ... وهلم ذلك.
ولعل تركيزي على موضوع الغوص وما يتعلق به من وقائع وأحداث وما تمثله حادثة الطبعة التي وقعت عام 1344ه من مصاب جلل وشهرة عظيمة، وما تناقله العديد من المؤرخين عن تلك الطبعة ووصفها ب (سنة الطبعة) (3)، وصدور كتب تتحدث خاصة عن تلك الحادثة ووسمت عناوينها ب (سنة الطبعة)، أقول لعل كل ذلك صرف انتباهي إلى عدم ملاحظة الوقعة الأقدم وهي طبعة 1277ه والتي نبه إليها سموه.
ولا ريب أن مراعاة الدقة وتحري صحة الأخبار أمر مهم في كتابة التاريخ وسبر أغواره، ولأهمية هذا التنبيه من سموه، ارتأيت نشر هذه المقالة لتوضيح ذلك اللبس الذي جاء في كتابي ووقع فيه غيري من الكتاب والمؤرخين وهو تسمية وقعة الطبعة التي حدثت لسفن الغوص عام 1344ه ب (سنة الطبعة)، والصحيح أن طبعة عام 1277ه والتي سبقت الإشارة لمجرياتها هي الأقدم وهي التي تعرف ب (سنة الطبعة)، ولا شك أنني سأستدرك ذلك في الطبعة القادمة من الكتاب بإذن الله.
وفي الختام أتقدم بخالص شكري وتقديري لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز على ما أبداه لي من ملاحظات قيمة وإشارات مهمة نابعة من اهتماماته التاريخية والثقافية، وازددت شرفا لإشادته بمؤلفاتي واهتمامه الشخصي بها، واعتبر هذه الإشادة من شخص بقامة أميرنا سلمان وسام فخر أعتز به مدى حياتي ودافعا قويا لمواصلة البحث والتأليف ويدرك ذلك كل من يعرف سموه ويعي فكره ومنهجه.
الحواشي والمراجع :
1- النجديون وعلاقتهم بالبحر / عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي.
2- تاريخ نجد / مقبل الذكير
3- ومن المصادر الأخرى :
-تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق / عبدالله محمد البسام (مخطوط).
-لمحات من ماضي البحرين / خليل المريخي
-الغوص والطواشة / راشد الزياني
-سنة الطبعة / سعد السيف
-أعلام الغوص عند العوازم / طلال المريخي
-تاريخ الكويت / عبدالعزيز الرشيد
-تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج / سيف مرزوق الشملان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق